Skip to main content

المرأة في التراث مابين الحكمة والحماقة من خلال قصة دبورا وصور المرأة عند شموئيل هناجيد

Research Department
Research Journal
مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة
Research Member
Research Publisher
مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة
Research Rank
2
Research Vol
2
Research Year
2013
Research_Pages
223-266
Research Abstract

مقدمة

يعتبر كتاب العهد القديم تراثا لليهود وما تابعهم من طوائف , حيث تمثل هذا التراث في أقسامه الثلاثة (التوراة –الأنبياء –المكتوبات) فكان بمثابة تأريخ للحركات الدينية والعلاقات الاجتماعية بين أفراد الطائفة اليهودية , وما كان من أحداث بين اليهود وغيرهم من الشعوب ، هذا إلي جانب كونه حافظا للأنساب البشرية عند بني إسرائيل وغيرهم ممن اتبعوهم , وإلى جانب ذلك كان من الطبيعي أن يقدم العهد القديم بين أقسامه نماذج من النساء , تباينت تلك النماذج وتغايرت تبعا للسلوك والصفات المذكورة بين ثنايا قصصه , وامتدت هذه النماذج النسائية في حياة اليهود حتى العصر الذهبي في الأندلس , خاصة بعد انصهار هذا التراث تحت مظلة الثقافة الإسلامية

ولا يخفي على أحد دور المرأة في مشاركة الرجل صناعة الحدث التاريخي داخل قصص العهد القديم وبين صفحات أسفاره .

فلقد ذكرت كلمة (חוה) = حواء للدلالة علي أول امرأة في تاريخ البشرية مرتين –وجاءت كلمة (אישה) = امرأة 24 مرة - وكلمة (רעיה) = زوجة مرة واحدة - ثم كلمة(גברת) بمعني سيدة تكررت مرتين , ولم يخل العهد القديم من أسماء لشخصيات نسائية متعددة .
إلا أنه يبدو أن المرأة لها دور محوري في بعض الأحيان, فنجد في بعض أسفار العهد القديم قد يرد ذكر المرأة للدلالة علي القيادة الروحية , لما اتصفت به تلك المرأة من الحكمة , كما في قصة (دبورا في سفر القضاة) الذي تكرر اسمها 6 مرات ,حيث تناول السفر قصتها مؤكدا على كونها قائدة لطائفة بني إسرائيل بعد ( إهود - شمجر) فأمسكت بمقاليد الحكم الديني والدنيوي ,عندما نصحت القائد العسكري لبني إسرائيل بالحرب علي عدوه ( سيسرا = الزعيم الكنعاني) كان لها الأثر الأكبر في إتنصار بني إسرائيل علي عدوهم .

أضف إلي ذلك ما هو مذكور في التراث من مناصرة ( أستير) للشعب اليهودي في عصر (إحشويروش)، نظرا لحكمتها في تخليص طائفتها من قيد السبي والنجاة من التدمير على يد الوزير هامان , كذلك لم يغفل التراث اليهودي عن وجود عنصر أنثوي في كل عصر , ساعد هذا العنصر المجتمع اليهودي بشكل أو بآخر في مواقف بعينها ، فعند الخروج من مصر كان للمرأة دورا مؤثرا ، وكذلك بعد الخروج من مصر , وما ذكر من رفض نساء بني إسرائيل لعبادة العجل في سيناء على يد مريم النبية .

وبالرغم مما سبق من أدوار لوصف المرأة , إلا أنه لم يخل العهد القديم أيضا من صور تناقض تقدير المرأة , فقللت بعض الأسفار من شأنها في معظم الأحيان , بل واتخذها العهد القديم سببا في العذاب , وكمثال للإقلال , نجد أن كاتب سفر الأمثال عبر وصور الحماقة علي إنها امرأة ، وكذلك قبله سفر التكوين الذي وصفها بكونها سببا للعذاب منذ بدء الخليقة كما جاء في قصة حواء , فلم يبرئها العهد القديم من خطيئة آدم الأولي , التي كانت سببا في معاناتهما معا.
ومع معايشة اليهود لغيرهم من الشعوب لم يكن العهد القديم ببعيد عن الثقافات الأخرى , فلقد أثر في بعضها وتأثر بالبعض الآخر ، إلا أنه لم يستطع أحد من اليهود أن يخالف التراث التوراتي أو نقده , إلا في العصر الوسيط تحت الحكم الإسلامي , ذلك العصر الذي كان لزاما علينا التطلع إلي دور المرأة فيه , خاصة بعد الفتح الإسلامي للبلدان التي انزوى فيها اليهود بعيدا في منفاهم كما وصفوا قبل دخول الإسلام إليهم , فأمنهم المسلمون علي أنفسهم وفتحت الثقافة الإسلامية ذراعيها لرجالهم ونسائهم على السواء , ولذا اهتم علماء تلك الفترة بالمرأة وبالتوصية بها خيرا , عملا بالمبادئ الإسلامية التي أرستها شريعة الإسلام في المجتمعات التي وفدت إليها ، والتي غيرت من ثقافة اليهود تجاه المرأة مما جعل علمائهم يأمرون مجتمعاتهم بالتواصي خيرا بالمرأة , على عكس ما كان معروفا في كتبهم , ومن ذلك قول موسي بن ميمون : (إن عزتكم من احترامكم لزوجاتكم) .

ولم يكن غريبا أن تتناول أقلام الشعراء في الأندلس صورة المرأة , فلقد قام الناجيد بتقديم صورة للمرأة في كتاباته ,صورت المرأة من وجهة نظر اليهود في الأندلس , والتي تأرجحت مابين التبجيل قليلا والإقلال كثيرا , فلقد تأثر الناجيد بحكمة المرأة في الإسلام فأجلها , ثم عاد إلى تراثه اليهودي من العهد القديم فأقل من شأنها .

ونرى أن التراث اليهودي قد أثر في التراث الإنساني سلبا , ونستطيع القول بأنه ربما يكون قد أثر في الشعوب والمجتمعات المختلفة , فكان له التأثير السيئ في الفكر الإنساني , ولا عجب أن انتقلت فكرة خطيئة حواء من العهد القديم إلى تراث معظم الثقافات في العالم , حتى داخل التراث الإسلامي للمدن التي اعتنقت الإسلام , فتأثر هذا التراث الإسلامي بالمدسوس من القول , إلا أن المتقلب بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية , يجد مناصرة للمرأة , دون إفراط ولا تفريط في حقوقها الاجتماعية .

منهج البحث والهدف المرجو :-
سيتبع الباحث المنهج الوصفي , حيث يقدم هذا البحث دراسة وصفية للنصوص والكتابات المقرائية ( ) , واتخاذ قصة دبورا نموذجا . إلى جانب الكتابات اليهودية في الأندلس تحت حكم الإسلام , متخذا بعضا من إنتاج الناجيد كوصف لليهود بعد الإسلام . .... وما أهدف إليه من دراستي هو تقديم رؤى مختلفة مابين الارتقاء بالمرأة في العهد القديم متمثلا في قصة (دبورا) , مع إبراز التدني بها أيضا في بعض أسفار العهد القديم , الذي يصل إلي درجة الظلم والتعنت في قصص توراتية مختلفة ,ومن ثم كان من الواجب تقديم الرؤية الأدبية للناجيد تجاه المرأة , تلك الرؤية التي تأثرت بالثقافة الإسلامية تارة , ومالت إلى التعنت الموروث عند اليهود تارة أخرى .

المرأة مابين الحكمة والحماقة :-

لقد بدء العهد القديم تعريفه بالعنصر النسائي الأول المتمثل في حواء , فبين السبب الأول لخلق حواء بكونه مؤانسة آدم , حتى لا يكون آدم وحيدا في الحياه (وقال الرب الإله ليس جيدا أن يكون آدم وحده . فأصنع له معينا نظيره ---تك:2/18) وتم إقتطاعها من جسد آدم فسميت لذلك إمرأة .
ويروي العهد القديم عن سبب التسمية ( فقال آدم : هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي . هذه تدعي امرأة ( ) لأنها من امرئ أخذت ---تك 2/23) وكما سماها آدم امرأة للدلالة على الجنس , رجع مرة أخرى فسماها حواء ( ) (ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي ---تك 3/20)

ومع تعاقب الأجيال البشرية ظهرت قصص لمجموعة كبيرة من النساء , جاء ذكرهن بين ثنايا مرويات العهد القديم , فكان لبعضهن أدوارا محورية في أحداث بعينها , كان لها من التأثير القوي في حياة بني إسرائيل واليهود من بعدهم ,هذا التأثير كان بعيدا عن وصفهن نساء , بل تعدين تلك الحالة إلى درجة أعلى , فلقد وصفهم العهد القديم بالحكمة بل والنبوة في بعض الأحيان , فأصبح هناك نساء حكيمات داخل أسفار العهد القديم .

أولا : صورة حكمة المرأة في العهد القديم

الحقيقة أن الحكمة ( )هي الصفة الأصيلة للأنبياء والمرسلين , فكان من الطبيعي أن تتصف النبيئات ( ) من نساء بني إسرائيل بالحكمة , ومن أولئك (مريم النبية –( ) التي هي أخت لموسى وهارون عليهما السلام , والتي كان لها دورا مع نساء اليهود اللاتى اتبعنها كما روى العهد القديم "فأخذت مريم النبية أخت هارون الدف بيدها وخرجت جميع النساء ورائها بدفوف ورقص ( الخروج 15: 20 ) فكان لتلك النبية دورا في قيادة نصف الشعب المتمثل في النساء , وذلك مشاركة منها مع موسى وهارون بصفتها نبية حيث كانت ( وظيفة الأنبياء هي إرشاد الشعب إلي طريق الرب ...ولكي تصل النساء إلي النبوة يرى البعض أنه يجب أن يعبرن الطريق الروحاني الصالح لذلك( ) , وربما كانت هذه الدرجة مثار جدل بين المفكرين .

وربما كانت درجات النبوة تتفاوت بين النساء في روايات العهد القديم , من حيث السرد والإطالة , حيث لم تذكر مصادر العهد القديم أحداثا أخرى لمريم النبية , واكتفى بدورها السابق , مع إن العهد القديم تناول قصة نبية أخرى بشئ من الإطالة والتعظيم كما حدث مع النبية دبورا التي هي موضوع بحثنا , حيث أفرد العهد القديم لتلك النبية نصيبا غير قليل في سفر القضاة إذا ما تم مقارنته بغيرها من النساء , اللاتي لا يخفى تأثيرهن على مجريات الأحداث بما قدمن من حيل هيئت بها الأحوال كما وصف العهد القديم , إلى جانب مناصرة بعض رجال العهد القديم , كما حدث في قصة مساعدة أم يعقوب ليعقوب في التحايل على أخذ البركة من أبيه إسحاق كما وصف العهد القديم , وكان غير مستحق لهذه البركة دون أخيه عيسو الذي كان مستحقا لها بكونه بكر أبيه والوصي على إعالته , إلى جانب العديد من القصص التي رواها العهد القديم , والتي تناولتها الأقلام لتوضح فيها فضل النساء على الرجال فكان جليا أنه بدون "سارة العجوز لم يكن ليتحول إبراهيم إلى إبراهيم أبانا , وبدون راحيل الجميلة لم يكن ليصبح يعقوب أبانا , وياشو لم يكن متجسدا لحما ودما بدون مريم "( ) إلا أن مفهوم الحكمة عند النساء في العهد القديم تخلله عيب الإغواء والتحايل , وهذا يعد هدما للحكمة التي تم الاتفاق علي مفهومها الصحيح , فكان لابد من التفريق بين الحكمة والإغواء .

هل المرأة في نظر العهد القديم إغواء أم حماقة أم حكمة ؟

ومع أن العهد القديم كان يحقر من شأن المرأة وخاصة في سفر الجامعة في قوله "وجهت قلبي لأتعلم وأبحث لعلي أجد الحكمة وحقيقة الأمور وأعرف نفاق الجهلة وجنون الحمقى فوجدت أن المرأة أمر من الموت فقلبها مصيدة وأحبولة , ويداها أغلال من كان صالحا أمام الله ينجو منها أما الخاطئ فهي تقتنصه "( ) إلا أنه قدم أنموذجا للمرأة التي ساعدت بإغوائها , فلم تجد طائفة بني لإسرائيل مفرا من استخدام المرأة للإغواء , على الرغم من أن نصوص العهد القديم نفرت من المرأة التي قلبها مصيدة وأحبولة , كما سبق ذكره , فقدم العهد القديم هذا الأنموذج متجسدا في قصة أستير محررة اليهود من نير السبي .

لقد عرف الشعب اليهودي مرارة الأسر على يد نبوخذ نصر , ذلك الملك البابلي الذي ساق اليهود إلى بابل , واستمر اليهود في المقام هناك حتى جاء العصر الفارسي , الذي استغل اليهود فيه دور المرأة في إطلاق سراحهم وعودتهم إلى أرض فلسطين , بعد ردح من السبي والذل والتعنت تحت رق العبودية , الذي أظهرته المصادر اليهودية في كتاباتها التأريخية لتلك الفترة , حتى لاح الأمل في أستير تلك المرأة الفاتنة التي يرجع الفضل إليها في قرار العودة إلى أرض فلسطين . فتروي التوراة قصة أستير تلك الفتاه (التي أحبها أحشويرش أكثر من كل العذاري اللاتي سبقنها، ... حيث قذفت محبة روحية وجسدية إلي قلبه.... وفي كل يوم يتجدد الحب )( ) فقام اليهود باستغلال هذه العلاقة في تنفيذ رغبة رجال الدين اليهودي الذين نجحوا في جعل أستير تتزوج من ملك يعبد الأوثان , وبعدها تنجح في إقناعه بالسماح لليهود بالعودة إلى أرض فلسطين ( ).

واستمرارا للحديث عن المرأة في العهد القديم , والكتابات الدينية( ) الأخرى نراه يقدم لنا امرأة أخرى في سفر يهوديت ( ) , هذه المرأة التي أقدمت على الإغواء والقتل ( )حتى تنقذ طائفتها من الهلاك دون الدخول في حرب حقيقية ,كما جاء في السفر الذي صنف ضمن الأسفار الخارجة( ) كما حدث في قصص أخرى نسائية عرفت عند اليهود ( )

و في بعض الأحيان نجد الكتابات المقرائية تؤكد على تأييد بعض النساء , ونبذ الأخريات في كثير من الأحايين , فلقد اعتبرت المرأة من المقدسات عندما أصبحت نبية وقاضية ، في حين أن بعض فقرات العهد القديم تعتبر المرأة نجسا يجب اجتنابه (وكل ماتضجع عليه في طمثها يكون نجسا وكل ماتجلس عليه يكون نجسا –(لاويين 15:20) ، بل وتزيد فقرات آخري فيعتبرونها بؤرة الخداع والغش ومن أسباب الإغواء والهلاك كما جاء في سفر الأمثال (فلم تفتن يا بني بأجنبية وتحتضن غريبة-5:20
ثم يقدم سفر الأمثال صورة المرأة الحمقاء , التي جمعت بين الجهل والصخب والحمق فيقول "المرأة الجاهلة صخابة حمقاء ولا تدري شيئا " الأمثال -9:13 – ويزيد سفر الأمثال على ذلك فجعل من المرأة الغريبة غاوية تفضي للموت المحقق فيقول : "لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلا وحنكها أنعم من الزيت لكن عاقبتها مرة كالأفسنتين حادة كسيف ذي حدين " سفر الأمثال الإصحاح 5 فقرتي3،4 ) .

ومع هذا التضارب بين التقدير والامتهان للمرأة في العهد القديم , تبرز قاعدة هامة وهي أن المرأة تتحدد أهميتها من عدمه في العهد القديم تبعا لموقعها وتأثيرها المباشر من وجهة نظر كاتب السفر , فلقد قدم العهد القديم المرأة دلالة على الغواية والحماقة عند تعريفه بالأجنبية , كما جاء في سفر الأمثال , ومع ذلك نرى المرأة في موضع آخر صار لها من القدسية ما لم يتوفر للرجال ممن عاصروها , وأثرت هي فيهم بشكل كبير فتسيدت عليهم وأصبحت قاضية حكيمة نبية .

قصة (دبورا )( )في سفر القضاة :-

يعتبر سفر القضاة هو أحد أسفار العهد القديم الذي يندرج تحت قسم الأنبياء وقد (سمي السفر بالقضاة لأنه يهتم في مجمله بإعمال القضاة الذين كان لهم دورا في خلاص إسرائيل عبر الأجيال بعد احتلال الأرض , وقبل تأسيس المملكة في إسرائيل )( ) , ويرى البعض أنه عبارة عن ذكر أخبار الأبطال أو القضاة الذين خلصوا بني إسرائيل , وهم خمسة عشر قاضي ... وهذا السفر كغيره من الأسفار التي لا يعرف كاتبها ( ).

وتعتبر التسمية (שופטים) - القضاة - دلالة على أشخاص تميزوا بالحكمة( ) ومعرفة التشريع حتى يتمكنوامن القضاء بين المتنازعين , إلى جانب التشريع الذي يسير الحياة الاجتماعية لبني إسرائيل بشكل عام , ويعدل من منهجهم الديني المعيب , والذي انعكس على الحياة الاجتماعية , التي كانت تميل إلى الجور والظلم , ومن ثم الكفر وعبادة الأوثان .
ويعبر السفرفي بدايته عن العقاب الذي سلط على بني إسرائيل , ومجازاتهم بالهزيمةالمتكررة , وأن تبعية عدم وجود قاض يذكرهم بدينهم , هي الكفر, ومن ثم الهزيمة المحققة , وعلى ذلك فإن الدلالة الدينية للسفر تؤكد على اهمية القضاة في مجتمع بني إسرائيل .

لا شك أن الدلالة الدينية التي تتجلى في تسمية السفر بالقضاة تتضح فيما ذكرته بعض المصادر أن : ( المعنى الأساسي للفظ قاض هذا الذي يقدم تشريع فيفصل بين المرء ونظيره في النزاعات ، إلي جانب كون القاضي قد يكون حاكما , وربما يجب على الملك أن يكون قاضيا علي سبيل المثال داوود- سليمان )( ) , ومن ثم فلقد انفرد سفر القضاة بقصة دبورا بصفتها القاضية التي أعقبت القاضي أهود بن جيرا البنياميني في القضاء بين أفراد بني إسرائيل , وقيادتهم بعد تركهم الإيمان بربهم , ولكن الفارق بين أهود ودبورا يكمن في قتل أهود لملك مؤاب , أما دبورا فقد ساعدت في قيادة الجيش ولم تقم بقتل سيسرا بنفسها , وهذا يعني التأثير المباشر لأهود في قتل عدو بني إسرائيل , والتأثير غير المباشر لدبورا في مساعدة باراق في قيادة بني إسرائيل والقضاء على عدو بني إسرائيل أيضا .
ويرى البعض واصفا القضاة في العهد القديم , بأن هذه التسمية قاصرة في سفر القضاة "على دبوره النبية وربما شموئيل الرائي فهم حقيقة من عملوا فعلا بالقضاء "( ) , وربما باقي قضاة بني إسرائيل كان لهم دورا آخر , وعلى ذلك فدبورا هي القاضية التي اعترفت بها المصادر اليهودية .

دبوره القاضية( ) :-

بدء الحديث عن (دبورا ) في الإصحاح الرابع من سفر القضاه مبينا أن دبورا النبية كانت تحكم بين المتنازعين من جمهور اليهود دون ذكر للنسب المباشر لتلك القاضية أو الأعمال التي أهلت تلك المرأة للمكانة التي وصلت لها , هذه المكانة التي عبر عنها سفر القضاة بوصفها قائدة روحية في نهاية معركة بني إسرائيل , أما في بداية السفر لم يبين سوى أنها كانت خلفا لأهود , وقام بوصفها دبورا القاضية النبيه , التي تحكم بين المتنازعين من اليهود ويلجأ عامة الناس لها , وفي ذلك يقول كاتب سفر القضاة (4: 5 ) "و هي جالسة تحت نخلة دبوره بين الرامه و بيت ايل في جبل إفرايم و كان بنو اسرائيل يصعدون اليها للقضاء"( ) حيث كانت وظيفة الأنبياء في الأساس إرشاد الشعب إلى طريق الرب ( ) أي أنها نبيه وأساس وظيفتها إصلاح المنهج التعبدي المعوج .

دبوره االنبيئة ( ):-
لقد وصفت دبوره بالاختلاء بعيدا عن جمهور اليهود بإعتلاءها جبل إفرايم تحت النخلة التي عرفت بها بعد ذلك ,وربما هذا قد يعطي انطباعا أنها سلكت مسلك الأنبياء فيصف العهد القديم بقوله : ( وهي جالسة تحت نخلة دبورة بين الرامة وبيت إيل في جبل أفرايم—قضاة 4:4, 5) وإلي جانب هذا التقديس لتلك المرأة فقد جعلوا مقر حكمها جبل أفرا يم( ) تحت نخلة سميت باسمها , هذا المكان الذي كانت تختلي فيه بعيدا عن العامة ويختلف إليها كل قاص ودان , مما جعل كثير من الكتاب المقوباليم يتأثرون بالمنهج الديني لدبوره ( ) , هذا المنهج الذي أتاح لها النبوة من وجهة نظر العهد القديم ( ), فلقد وصف سفر القضاة انحدار بنو إسرائيل وبعدهم عن المنهج الإيماني ( 4: 1 ) ": (11:2 )" وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ " و عاد بنو اسرائيل يعملون الشر في عيني الرب بعد موت اهود " فكانت النتيجة المحتومة لبني إسرائيل العذاب المسلط عليهم بسطوة أعدائهم عليهم , وتم تصوير هذا التسلط في العهد القديم بعبارة البيع فلقد قيل :( 4: 2 ) "فباعهم الرب بيد يابين ملك كنعان الذي ملك في حاصور و رئيس جيشه سيسرا و هو ساكن في حروشة الامم "
فاستشعر بنو إسرائيل ضعفهم فضجروا إلى ربهم طلبا للعون وهم معترفون أنهم عصاه , فأرسل عليهم من يوجههم ويجمعهم أمام عدوهم (4: 3 ) "فصرخ بنو اسرائيل الى الرب لأنه كان له تسع مئة مركبة من حديد و هو ضايق بني اسرائيل بشدة عشرين سنة"ومع هذا يرى بعضهم أنه "لا شك في أن أمر دبوره وخلده النبيئه من الحوادث الاستثنائية "( )
دبوره قائدة لبني إسرائيل :-
جاء وصف دبورا بالمخلصة للشعب اليهودي من الهزيمة التي مني بها اليهود من قبل , عندما عرفت بأنها تهزم القادة الذين قاموا أمامها ( ) وبالرغم من" أن مصطلح قاض قد يختلف في المدلول للثقافة الإسرائيلية القديمة عن مدلوله في الأيام الحالية , فكلمة قاض في الوقت الحالي لا تعني قائد , إلا أن المعنى القديم يعني القيادة , وعلى ذلك يمكن أن نطلق على عصر القضاة مصطلح عصر القادة .... وبالرغم من كون دبورا وصموئيل الرائي من القضاة إلا أنهما يعتبران من قادة الأسباط "( )وذلك بما قدماه من حافز للأسباط , ولكن الدور الذي قدمته دبوره للأسباط برز في سفر القضاة , حتى ظن البعض أن " قصة النساء والجيش في الشعب اليهودي طويلة ومترابطة "( ) ومثل البعض على ذلك بقصص " دبوره زوجة ليفدوت حكمت أسباط إسرائيل وحملتهم للحرب ضد يابين ملك كنعان , ياعل قتلت سيسرا بقوتها وخداعها , أستير وقصتها في إسقاط هامان السيئ عدو الشعب "( )
دبوره زوجة ليفدوت :-
غلب على دبورا اسم زوجة ليفدوت , فلقد لقبت باسم زوجها وليس اسم عائلتها , وهذا يعني أن دبورا كان لها دور كزوجة مع دورها كقاضية ونبيه في بني إسرائيل , ولم تكن زعامتها الروحية قد قللت من واجباتها كزوجة لرجل عادي رفعته إلي مصاف الساسة والقادة , ولم يكن دورها كزوجة إقلالا من شأنها , إلا أن سفر القضاة لم يصف ذلك صراحة بين إصحاحاته , التي صبت اهتمامها في حرب بني إسرائيل والكنعانيين , ولكن العهد القديم أكد على وظيفة الزوجة حين عرف دبوره , وبالرغم من أن الحديث عن حياة دبوره الشخصية في سفر القضاة لم يكن بشكل من التفصيل , إلا أن صورة الزوجة في بداية السفر واضحة المعالم , إلى جانب صورة القاضية والنبيه والزعيمة الروحية لبني إسرائيل فلقد قيل : قضاة (4: 4 ) "ودبوره امرأة نبيه زوجة لفيدوت هي قاضية اسرائيل في ذلك الوقت "
وهذا يعني أن حكمة دبوره تتجلى أولا في الدور الأساسي للمرأة في الحياة ,و حكمتها التي تميزت بها ارتبطت بمساعدة زوجها .

مساعدة دبوره لزوجها :-
لقد وصف بعض المفسرين دبورا بقوله ( لقد عملت دبورا لزوجها ذوائب –ضفائر – فكان سببا في إعطائه ضياء في وجهه وسببا لدخوله الي المكان المقدس وسط ذوي الأهلية الدينية .ويضيف الكاتب بقوله أن سبب تسمية زوج دبورا ברק - برق - أنه كان ذوضياء وتسميته מיכאל - ميكائيل - نسبة إلي الملاك وتسميته ליפדות- ليفدوت - بسبب عمل دبورا له ذوائب في شعره ( ) , ثم يقدم البعض السبب الرئيس في تولي "باراق " قيادة الجيش بكونه "لم يكن يقوى للخروج إلى الحرب ضد الكنعانيين , لذلك حثته دبوره الإسرائيلية التي تسكن جبل أفرا يم , تلك المرأة الموصوفة في القصة بقاضية إسرائيل ... فلقد اختارت باراق لتنصيبه , وهيئت له ذلك "( ) , حيث ورد في سفر القضاة ذلك فقيل :-
4وَدَبُورَةُ امْرَأَةٌ نَبِيَّةٌ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ، هِيَ قَاضِيَةُ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. 5وَهِيَ جَالِسَةٌ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَصْعَدُونَ إِلَيْهَا لِلْقَضَاءِ. 6فَأَرْسَلَتْ وَدَعَتْ بَارَاقَ بْنَ أَبِينُوعَمَ مِنْ قَادَشِ نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: «أَلَمْ يَأْمُرِ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اِذْهَبْ وَازْحَفْ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ، وَخُذْ مَعَكَ عَشْرَةَ آلاَفِ رَجُل مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَمِنْ بَنِي زَبُولُونَ، 7فَأَجْذُبَ إِلَيْكَ، إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ سِيسَرَا رَئِيسَ جَيْشِ يَابِينَ بِمَرْكَبَاتِهِ وَجُمْهُورِهِ وَأَدْفَعَهُ لِيَدِكَ؟» 8فَقَالَ لَهَا بَارَاقُ: «إِنْ ذَهَبْتِ مَعِي أَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ تَذْهَبِي مَعِي فَلاَ أَذْهَبُ». 9فَقَالَتْ: «إِنِّي أَذْهَبُ مَعَكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَكَ فَخْرٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَنْتَ سَائِرٌ فِيهَا. لأَنَّ الرَّبَّ يَبِيعُ سِيسَرَا بِيَدِ امْرَأَةٍ». فَقَامَتْ دَبُورَةُ وَذَهَبَتْ مَعَ بَارَاقَ إِلَى قَادَشَ.
ومما سبق يتضح أن مساندة دبوره لزوجها ثم توحيدها بني إسرائيل تحت قيادة واحدة , اتبعه ملازمة دبوره لزوجها في شحذ الهمم لبني إسرائيل , حتى استتب الأمر لبني إسرائيل وانتصروا على عدوهم , وقتل سيسرا على يد امرأة هي ياعل , ولكن في هذه المرة يبرز دور الحيلة والإغواء في قتل سيسرا .
ويبدو أن قصة دبوره كانت ضمن الأدلة التوراتية لكفر بني اسرائيل المتكرر , قبل دبوره وبعد وفاتها , تلك الأدلة التي أتى بها ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل , فعندما تحدث ابن حزم عن دبوره واصفا حالها مع بني إسرائيل قال : " ثم دبرت امرهم دبور النبيه من سبط يهوذا , وكان زوجها رجلا يسمى الدوت , من سبط إفرايم , إلى أن ماتت وهم على الإيمان فكان مدة تدبيرها لهم أربعون سنة ... فلما ماتت كفر بنو إسرائيل كلهم , وارتدوا وعبدوا الأوثان جهارا , فملكهم عوزيب وزاب ملك بني مدين سبع سنين على الكفر "( )

ومما سبق تتضح صور النساء في العهد القديم إقلالا لأغلبهن بشكل عام , وتبجيلا لبعضهن بشكل خاص متمثلا في قصة دبورا , إذ أنها تعتبر صورة فريدة إذا ما قورنت بصورة المرأة في العهد القديم , وبين وصاياه ,كما أشار البعض بقوله : " إن النساء في بني إسرائيل لم يكن معتبرات ذوات كفاءة لتولي الأحكام حتى أن إشعيا كان يعتبر سلطة النساء سبه لشعب يحترم نفسه "( ) .
وإن كان هذا هو الوضع في الثقافة اليهودية , فهل تغيرت صورة المرأة بشكل أو بآخر في العصر الوسيط تحت الحكم الإسلامي ؟ ... وما هي صورة المرأة عند الشاعر اليهودي(شموئيل هاناجيد) في ظل الثقافة الإسلامية ؟... وهل تأثر الناجيد بالثقافة الإسلامية وترك موروثه اليهودي ؟

وللإجابة على هذه التساؤلات , كان لابد أن نوضح حالة المرأة في المجتمع العربي الإسلامي , خاصة قبل أن نتعرض لحالة اليهود في العصر الأندلسي , فلقد نعم اليهود بسماحة ورحابة في العيش لم يعهدوا بمثله من قبل , فلقد وجد اليهود في الإسلام ما لم يجدوه في حكم غير المسلمين من المتنصرين( ) , فقامت ثقافة يهودية متأثرة بالإسلام والعرب من المسلمين , غيرت كثيرا من المفاهيم وعلى رأسها العلاقات الاجتماعية , التي كانت بها بعض المغالطات , أولها تحقير المرأة في الفكر اليهودي , والذي أشرنا إليه من قبل , إلا أن المجتمع الإسلامي كان أكثر احتراما وحيادية بالنسبة للمرأة .
صورة المرأة في المجتمع الإسلامي :-

قدم الإسلام للمجتمع العربي والعالم أجمع صورة للمرأة أعادت إليها ما سلب منها من حقوق , فكان الإسلام طوق النجاة الذي ظلت المرأة أحقابا كثيرة في انتظاره , خاصة عندما نعلم أن معظم الثقافات في المنطقة تقلل من شأن المرأة , فلقد أكد البعض أن " مركز المرأة في الشعب العبراني معادلا على نوع ما لمركز المرأة الكلدانية في عهد حمورابي , فلقد كانت الفتاة بالنسبة إلى الشاب في حالة انحطاط أدبي ومدني لا يدع سبيلا إلى المماراه , فكانت الفتاة تتلقى حين ولادتها بغير ارتياح ولا عطف , بينما كانت ولادة الولد الذكر موجبة للفخار ومعتبرة بركة علوية "( ) , فبزغ فجر الإسلام فغير من المفهوم السابق , وأوصى بالنساء خيرا, فرأينا " أن الإسلام يخلو من ذلك الافتراض القائل إن المرأة مصدر غواية وشر وموت , أو هي سبب سقوط البشرية "( )... ولم تغفل الثقافة الإسلامية دور المرأة كزوجة فهو " حسب الشريعة الإسلامية لا يتغير وضع المرأة المسلمة القانوني بعد الزواج, بوصفها شخصية كاملة , قادرة على التملك والتصرف بدخلها وممتلكاتها كما تشاء ....ويعتبر الإسلام الرجال والنساء متساوين تماما في واجباتهم الدينية والمدنية , ولا ينظر إلى هذه المساواة على أنها تعادل في القدرات الطبيعية والمواهب , أو أنها تشابه في الأدوار , لذا تكون نظرة الإسلام نظرة مساواة لا تعادل , فلقد خلق الرجال والنساء مختلفين وقدرت لهم أدوارا مختلفة في خلقهم ... وقد قامت المرأة بدور رئيس في إقامة المجتمع الإسلامي , بوصفها سيدة المنزل ومديرته , وبوصفها أما تربي الأطفال ومصدرا للسكينة والامتثال والهناء والبركة والجمال "( )
ومما سبق نستشعر أن الإسلام قد أعاد الأمور إلى نصابها , بعد أن مالت الثقافات التي سبقته إلى عدم الحيادية والتعنت الصريح تجاه المرأة , حيث ساد مبدأ القوي يأخذ حق الضعيف , تحت مسمع ومرآى من رجال الأديان والمعتقدات الأرضية , فكان من الطبيعي عندما يسود الإسلام بمبادئه القويمة أن يتأثر من هم تحت إمرته بتشريعاته وثقافته , وهذا ما جعل اليهود يتأثرون إيجابا بهذه الصحوة الإنسانية , وخاصة في الأندلس , , تلك البقعة التي احتضنت اليهود فترة ليست بالقليلة , قدم فيها الأدباء اليهود أرقى المؤلفات , ومن بين هؤلاء الأدباء الشاعر شموئيل هناجيد الذي قدم صورا للمرأة كانت أثرا لمن خلفه من الشعراء اليهود حتى يومنا هذا.

ثانيا:صور المرأه عند شموئيل هناجيد( ):
كان من البديهي أن ينقل الأدباء والمفكرون هذه الصور السائدة في مجتمعاتهم سلبا وإيجابا , راصدين حالة المجتمعات وثقافاتهم , راضين عنها مرة وراغبين عنها أخرى , فوجدوا أن صور المرأة متعددة منها المحبب ومنها دون ذلك , فكان من الطبيعي أن تلفت أنظارهم ( ) يجلونها إذا أحسنت ويقللون من شأنها إذا أساءت , ومع اتصال القيم الإسلامية بالتراث الأدبي العربي , ظهر في المجتمع الإسلامي منهجا ينظم علاقة شريكي الحياة , فصارت العلاقة بين الرجل والمرأة أكثر رقيا وإجلالا ,عن ما كانت عليه من قبل , خاصة في ظل الأوامر الإلهية التي وردت في القرآن الكريم من تأكيد على إكرامهن وإحاطتهن بالعطف والشفقة , ومعاملتهن معاملة حسنة تليق بهن قال تعالى " وعاشروهن بالمعروف " ( ) وفي الأحاديث النبوية فعن عمر بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه " ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان بينكم "( ) , فما كان من شعراء اليهود إلا أنهم اقتفوا أثر الشعراء العرب في أشعارهم و توجهاتهم الأدبية , بداية من مرحلة الريادة الشعرية ليهود الأندلس , نهاية بمرحلة الإزدهار , تلك المرحلة التي عبر الناجيد فيها عن توجهاته الأدبية , مخصصا جزء غير قليل من إنتاجه ليقدم فيه صورا للمرأة , وخاصة في دورها زوجة وأم , حيث جاءت صورة المرأة كزوجة في مقدمة الصور التي عرضها الناجيد في مؤلفاته( ) .
صورة المرأة زوجة وأم عند الناجيد:-
يبدو أن الناجيد قد اهتم بصورة المرأة كزوجة فأفرد فيها أبياتا , واصفا إياها جوهرا ومظهرا , في شكل وعظي , قدم فيه النصح للذي يريد أن يتخذ زوجة فقال :-

בחר לך למשכב חיקך את יראת אל \ ודומה לתפוח מהלל במענהו
רקוחה כמי ריחו מתוקה כמו טעמו \ חלקה כמו גלדו ויפה כמראהו
( )
اختر لحضنك التقية / كالتفاحة بما تعنيه الكلمة
طيبة كطيبها وطعمها / ناعمة كملمسها وجميلة كهيئتها
لم يكن الناجيد الوحيد بين شعراء اليهود في الأندلس الذي عبر عن المرأة بالتفاحة , بل صور يهودا اللاوي " ( ) محبوبته على إنها تفاحة( )أيضا , وربما كان استخدام الناجيد لهذا التشبيه تأثرا بالبيئة الأندلسية التي كانت مليئة بالمناظر الخلابة , والتشبيهات الأدبية البديعة, ولكن الصفة الأولى التي قدمها الناجيد عبر عنها بالتقية , ليعطي انطباعا بأن الخلق الحميد يأتي في مرتبة أولى , قبل الشكل المحبب للنفوس , فلن تنتهي علاقة المرأة بالرجل عند الشكل الخارجي , بل يجب أن تكون المرأة ذات خلق حميد , وذلك لأنها لن تكون زوجة وحسب , بل أم لأبناء سيكونون اللبنات الأولى للمجتمع , فهي المكلفة بتشكيل ثقافتهم الأولى ومعرفتهم المبدئية , فهي تؤثر في موروثهم الجيني بما تحمله من صفات وراثية حميدة , ورثت بعضها واكتسبت البعض الآخر , فتورث أبنائها بعضا من صفاتها الموروثة قبلا , وتعلمهم وتغرس فيهم صفات حميدة أخرى .
فلا شك أن الأم في المجتمعات بمثابة الأساس التهذيبي والتربوي لأبناء أي مجتمع وعندما يريد المرء الزواج يجب أن يكون دقيقا في اختياره , فلابد أن يختار المرأة الخلوقة , التي تصلح كشريك في الحياة , وفي ذلك يقول الناجيد :
יְשַׁר –דֶרֶךְ הֲתִרְצֶה לַחֲזוֹת לָךְ כְּמוֹתָךְ בֵּן קְחָה אִשָׁה נְבָרָה( )
לְמַעַן בֶּן-נְבָרָה בַּר כְּאִמּוֹ וְאִשָׁה נַעֲוָה מִבַּר עֲקָרָה ( )
أيسر طريق لرؤية ابنا لــــك مثلك هـــو اتخاذ زوجة صالحة
لأن ابن المرأة الصالحة بار كأمه والمــرأة المتعجرفة لا تلد بارا
وضح الناجيد في الفقرة السابقة أقصر الطرق وأيسرها لمن أراد ابنا صالحا بارا بأبيه فقال إن الأم الصالحــة هي منبت الابن الصالح ونستطيع القول بأن الناجيد قد اتجه إلى بيان أثر سلوك المرأة في وليدها , وإن كان الأمر كذلك , فيجب علينا أن نتساءل عن تلك المرأة التي وصفها الناجيد بالتقية تارة والصالحة تارة أخرى ، فلابد أن هذه الصورة لا تخرج عن دائرة ذات الدين التي أوصى بها الإسلام , متأثرا بالثقافة الإسلامية( ) التي قدمت الصورة الصحيحة التي يوصى بها .
ثم يستطرد الناجيد في تقديم صور للمرأة كزوجة , ولكن في هذه الحالة يقدم صورة الأم المتعجرفة التي لن تلد إلا فاجرا غير بارا , فيقول :
טַעָת אִילָן עַל מַבּוּעַ תַּעַשׂ פֶּרִי כִלְבַב נוֹטְעוֹ
כֵּן מוֹלִיד אֵשֶׁת בַּת טוֹבִים( ) טוֹב בָּאָרֶץ יִהְיֶה זַרְעוֹ( )
غرس شجرة في الدمـــن( ) ستخــرج ثمارا كالذي غرست فيه
وكذلك المرأة الطيبة تلد طيبا فالزرع يكون كالأرض التي زرع فيها
حيث يرى الناجيد أن المرأة مثل الأرض إما أنها جيدة صالحة فتنبت نباتا صالحا جيدا وإما أنها أرض فاسدة غير خصبة وهي ما سماها الناجيد بالدمن فيكون نباتها نباتا سيئا وربما كان هذا المفهوم شائعا في زمن الناجيد كشيوعه في كل زمان ومكان ولكن الناجيد ربما أراد شيئا آخرا يميل إلى العنصرية في انتقـاء الأم الصالحة للأبناء وهي التي تنتمي إلى وسط غير دنيء , وهو متأثرا بالحديث النبوي الشريف الذي يحذر من المرأة حسنة المنظر سيئة المنبت والوسط , حيث يقول صلى الله عليه وسلم " إياكم وخضراء الدمن قيل : وماذا يا رسول الله قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء "( ) , وربما يقصد الناجيد أصيلة النسب , وفي هذه الحالة يريد الإشارة إلى بنات عرقه , وإن كان هذا أو ذاك فلا شك أن الناجيد أخذ مصطلح : الدمن " من الثقافة الإسلامية , لعدم وروده في موروثه الديني .
وقد يتساءل البعض وهل كان اليهود يتخيرون زوجات غير يهوديات ؟
الحقيقة أنه لم يرد ذكر تخير اليهود زوجات غير يهوديات في الأندلس الإسلامية , إلا أن اليهود تحت حكم المتنصرين في أسبانيا المسيحية , قد حرموا من الاختلاط , حتى وهم في مجتمع كثرت فيه الأجناس الأخرى( ) ، وهذا يؤيد الترجيح الأول وهو أنه يقصد بنات طائفته , فهم لم يتخيروا غير يهوديات كزوجات لهم في ظل الحكم الإسلامي , ولكن كانت لهم جواري ومحظيات يعتنقن غير اليهودية .
وفي حديث الناجيد عن الأم وتصويرها بالأرض المعدة للزراعة يأتي لنا بتشبيه يجعل فيه سن الرجل الراغب في الزواج غير ذي أهمية فيقول :
זְּרַע אֶת-זִרְעֲךָ הַטּוֹב בְּיוֹרֶה וּבַמַּלְקוֹשׁ וְתִבְחַר אֶת-זְרִיעָה
בְּמֵיטַב הָאֲדָמָה הַשְׁמֵנָה וְאֶת – בָּנִים בְּבַת טוֹבִים יְדוּעָה( )
اغرس زرعك الطيب في الصغر وفي الكبـر وتخير الغرس
في أفضل الأراضي وأخصبهـا فالأبناء عند المرأة الحسيبة
ينصح الناجيد أبناء طائفته عندما يرغبون في إنجاب أبناء صالحين في أي مرحلة من مراحل العمر ( الشباب أو الكهولة) , دون أن يفرق الناجيد بين الإنجاب في مقتبل العمر أو في أواخره , أي أنه لم يوقف الزواج بسن معين , بل الأمر المهم هنا اختيار الأرض الصالحة للزراعة ويعني بها الأم المناسبة ، حيث صور المرأة الحسيبة بالأرض الخصبة الصالحة ، ثم أضاف بأنها المرأة طيبة الأعراق –بنت الأخيار – (בַת טוֹבִים ) ويبدو أن هذا التعبير قد اعتاد عليه الناجيد فضمنه بعض أبياته , مكررا إياه للتأكيد على أهميته ، والأمر الجدير بالذكر هنا أن الناجيد شبه تلك المرأة النسيبة بنت الآباء الأخيار بأنها هي المرأة الولود كالأرض الخصبة وفيرة الثمار .
ويتابع الناجيد فقراته التي تصور المرأة كزوجة لها صداق واجب وهدية تزيد على صداقها حيث يقول :
וּלְנַעֲרָה מוהַר וּמַתָּן אֶל- הַטּוֹב לְדוֹבֵר הָאֱמֶת מוֹהַר
וּלְאֵם אֱמֶת יַלְדֵי אֱמֶת וּכְאֵם עַוְלָה יְהוּ בָּנִים אֲשֶׁר תַּהַר( )
وكما للعـروس صداق أســــرع في إعطاء الأفضل لمـن قال الحق
وكما أن للأم الصالحة أبناء صالحين فالأم المعوجة يكون أبناؤها مثلها
من خلال البيتين السابقين يؤكد الناجيد على الصداق والهبة للعروس , دلالة من الناجيد على التأثير الإسلامي الذي جعل الصداق حق أصيل للزوجة قال تعالى " وءاتوا النساء صدقتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا "( ) , وما زاد على مهر المثل( ) فهو هدية , وهذا إقرار من الناجيد بذمة الزوجة المالية المنفصلة , واللافت للنظر أن الناجيد أخبر بذلك موقنا أنه من المسلم به , ثم يتابع تصويره لشكل الأم , معبرا بأنه لابد أن يكون هناك توافق أخلاقي بين الأم وولدها , فإن كانت صالحة كان ولدها صالحا وإن كانت سيئة كان ولدها سيئا وهو هنا يريد أن يقر قاعدة بأن المولود في الغالب صورة من أمه ، وإن كان هذا القول لا يقبل كقاعدة عامة فلكل قاعدة مخالفة والصفة التي ساقها الناجيد ليدلل بها على الأم التي تتوفر فيها الخصال الحسنة هي אם אמת إن ترجمت إلى " الأم الطيبة " فالترجمة غير دقيقة ولا تعطي المعنى المطلوب وإن ترجمت إلى " الأم الفاضلة "( ) فالمصطلح الموجود في سفر الأمثال (אשת חיל ) , وإن ترجمت إلى "الأم الصديقة " فالفكر اليهودي نراه غريبا في نظرته إلى الصديقين حيث يرى أنه ليس هناك צדיק גמור ( ) كما تحدث الناجيد أيضا في الفقرة عن الأم المعوجة أو الأم الجائرة التي ستلد أبناء جائرين , ومما سبق يتضح أن الناجيد قدم صورة وضدها , معتبرا أن الزوجة الصالحة هي كنز ثمين وهي عضد الرجل وعونه وإذا أعدت فهي واهبة صفاتها الحسنة لأبنائها ، أما الزوجة السيئة ذات الخلق السيئ فهي وبال وعبء جسيم وأبناؤها مثلها , فالغاية الأولى من الزواج من المرأة ذات الدين أن تقدم للزوج الراحة والسكن , ثم تربية البنين على الفضائل والأخلاق الحميدة , وهذا مايرجوه كل ذو عقل سليم.

كيفية التعامل مع المرأة من وجهة نظر الناجيد :-

ومع أن المرأة هي الشريك القيم المؤثر الذي يرجوه كل رجل سوي , إلا أن هذا الشريك لابد له أن لا يتسيد على الزوج , والذي كلف بطاعته بالنصوص السماوية ,فمفهوم شريكين يقع مابين طائع (زوجة) وآمر بالمعروف ( زوج ), لأن لكل منهما أدوار حياتية تستحيل للآخر الأتيان بها , ومع هذه الشراكة فليس من حق الزوجة معاقبة الزوج , مع وجوب تقويم الزوجة إذا حادت وتمردت , فنرى الناجيد يقدم طريقة التعامل مع المرأة المتمردة , مضيفا صورة للمرأة , حال كونها متمردة متسلطة , فيقدم بيان لكيفية التعامل معها إذا خرجت عن شرعيتها وحاولت التسلط واكتساب ما ليس من حقها فيقول :
הַךְ אִשְׁתְּךָ מַכַּת בְּלִי סָרָה אִם תִּמְשׁוֹל בְּךָ כָּאִישׁ וְתָרִים ראשָׁהּ
אַל-נָא בְּנִי אַל-נָא תְּהִי אַתְּ אֵשֶׁת אִשְׁתָּךְ וְתִהְיֶה אִשְׁתְּךָ אִישׁ אִישָׁהּ ( )
اضرب زوجتك بــلا أســف إن تسـيدت عليك كرجل ورفعت رأسها
يابني إن لم تفعل ذلك ستكون أنت زوجة لزوجتك وتصبح زوجتك رجلا بالنسبة لك
في البيت الأول يعلن الناجيد طريقة التعامل مع المرأة التي اتسمت بالعصيان والتمرد , فمثل هذه المرأة قد لا ينفع معها الحديث اللين الوعظي ,فلابد من علاج آخر يتمثل في العقاب الجسدي , وقد يعتقد البعض أن الضرب للمرأة من باب التعنت وإظهار القوة , إلا أن الضرب ربما يكون علاجا ناجزا لبعض الحالات المعوجة للمرأة0
ومع أن التوراة ذاتها توعدتها بالألم والتوجع في سفر التكوين , كما توعدتها بسيادة الرجل عليها , إلا أن الآداب العربية قدمت كيفية تنشئة المرأة وتعليمها قواعد التعامل مع الرجل , ولكن دون ضرب أو إهانة ( ) , ومع هذا فالضرب بالنسبة للمرأة ربما يكون في سبيل تعديل بعض السلوكيات المعيبة التي لن تعالج إلا به , بعد أن تنفذ الطرق الأخرى من وعظ وهجران , ومن ثم فإن الناجيد يحذر ويشدد في التحذير من التهاون والتساهل في معاملة المرأة حتى لا تتسيد عليه باعتبار أنه الرجل الذي ينبغي أن تكون له الهيمنة والسلطة , ولكن هذه السيطرة والهيمنة لابد لها من شرط , ألا وهو القوامة على المرأة , أو بمعنى القيام على خدمة المرأة حتى يكون إنصياعها للرجل عن تقدير واحترام وليس تعنت ولا ندية قد تودي بمستقبل الكيان الأسري .
وعندما يستخدم الناجيد مصطلحا يفيد خروج المرأة عن دائرة التحكم " ותרים ראשה"(أي ترفع من رأسها وتتعالى عليه ) فهو يعني بذلك أنها لا بد وأن تكون طائعة غير متمردة ولا ثائرة , كذلك لا ينبغي أن يكون الرجل ضعيفا أمام زوجته , فهذا خرق للقاعدة الأسرية وضياع للأدوار الحياتية 0
ثم يؤكد الناجيد ما سقناه من قبل من احتمال عدم توافق وصلاحية كلمة "عون " – مساعد - كوصف عام للمرأة كزوجة , إلا أن التحذير من المرأة جاء مسبوقا بالدعوة على المحافظة عليها مكنونة محفوظة , حيث قيل :
קְנֵה חֶדֶר לְנָשֶׁיךָ וּמַסְגֵּר וְאָל –תָּבִיא לְךָ אִשָּׁה בְּסוֹדָךְ
וְאַל-תַּצְדִּיק אֲשֶׁר תאמַר לְךָ כִּי אֱמוּנָה לא תְּדַבֶּר –לָךְ בְּעוֹדָךְ( )
اجعل لنسائك حجرة مغلقة ولا تفضي لامرأة سرا
ولا تصدق ما تقوله لـك فلن تصدقـــك قولا
في البيت الأول يأمر الناجيد كل الرجال بأن يجعلوا لنسائهم مكانا مغلقا ( ) يسكن فيه , والواضح أنه لم يبين سبب هذا الأمر , أيكون هذا لعدم الثقة بهن ؟ أم أنه للحفاظ عليهن ، وربما أراد الناجيد أن لا تعرف النساء سوى رجل واحد فلا يتطلعن لغيره من الرجال وربما كانت الافتراضات السابقة كلها مجتمعة في مقصده ، ثم يجزم الناجيد بأن النساء لا يؤتمن على سر( ) وإذا تحدثن بأمر , كنّ من الكاذبات , ولم يستثن الناجيد من النساء واحدة , ولعله ظالما في حكمه العام على النساء بأنهن كاذبات , وربما كان محقا في أن المرأة قد تحكم على الأمور بعاطفتها وليس بعقلها وبذلك تكون مشورتها غير نافعة وغير ذات جدوى , وهذا يعني أن الشريك المرجو فقد أهم عامل وهو تقديم المشورة , ويعني أيضا إحساس الناجيد بعدم الأمان للمرأة , فهو يراها مجالا للشك , وهو من الأمور التي ترسخت عند اليهود , ولم يشفع للمرأة عنده أنها أصبحت زوجة وأما للبنين حتى يأمن جانبها , ولذا تفقد المرأة جانبا هاما من وظيفتها كزوجة وكشريك . ويبدو أن الناجيد لم يدرك حفظ المرأة في الإسلام , فكون المرأة محفوظة لأنها أمرت بذلك , ولم تحكم من قبل الرجل ليحبسها داخل مكان مغلق , حيث قال عز وجل" وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " ( ) " فهذا أمر إلهي بالإقرار في البيت للمرأة دون تدخل من الرجل , فهذا أكرم لها , وحفاظ لها وتقربا لله , وليس إقلالا من شأنها ,وذلك من مهام وظيفتها .
وظيفة المرأة عند الناجيد :-
خلقت النساء لمشاركة ومعاونة الزوج , هكذا يقر الناجيد ثم يستثني من هذه السنة الكونية بعضهن , ويبدو أن الناجيد وضع يده على القاعدة ومخالفة القاعدة , فالقاعدة أن تكون المرأة عونا وشريكا للرجل , والمخالفة تكمن في التمرد وعدم الطاعة , وقد أنصف الناجيد عندما قصر العصيان على بعض النساء وليس كلهن .
فقال :
נָשִׁים לְעֵזֶר נִבְרְאוּ אַךְ יֵשׁ בְּמִקְצָתָן מְרִי
לא נִבְרְאוּ לַעְמוֹד בְּסוֹד וּלְרוֹב עֲצָתָן אֵין פְּרִי( )
خلقت النســاء للعـــون ولكــن في بعضهن تمرد
ولم تخلق النساء لحفظ السر وأغلب مشورتهن بلا فائدة
يكرر الناجيد قوله السابق بأن المرأة خلقت للعون والمساعدة ، إلا أنه أضاف في الشطرات الأخرى بعض الخصال غير الحميدة للمرأة فيقول في الشطر الثاني أن هناك بعض النساء تتصف بالتمرد والعصيان وعدم إطاعة أوامر أزواجهن , ومثل هؤلاء النسوة قد يتصفن بالقسوة، ثم ينتقل من الشطر الأول من البيت الثاني إلى الشطر الثاني من البيت نفسه، فينفي عنهن كتم السر ويؤكد الناجيد هذا الوصف بقوله "خلقن" أي النسوة فهو يؤكد على خصلة جبل النساء عليها , ولكنه مع اطلاقه لم يستثن بعض النسوة من ذلك الخلق , كما فعل في خصلة التمرد , ويبدو أن الناجيد قد أراد أن يؤكد على صورة المرأة الفاشية للأسرار , ثم يختتم فقرته بذكر مسألة غاية في الأهمية وهي مشاورة النساء فيصف مشورتهن بأنها لا تأتي بفائدة وأنها مشورة لا يرجى بعدها خير ، وربمـا أراد الناجيد من هذه الفقرة جعل المرأة كائن لا يقدم إلاالخدمات التي تطلب منه ، وربما أن استخدام كلمة "عون" كوصف للمرأة وصف لا ينطبق تماما مع باقي صفات المرأة التي ذمها وحذر منها الناجيد 0

يبدو أن الناجيد قد جعل من مصطلح (לְעֵזֶר) للعون أو للمساعدة دلالة على المرأة , ولكنه أغفل أن المساعدة من قبل المرأة ليست على الإطلاق , فهي تساعد في أشياء وتضر بأخرى , ومع ذلك فالمرأة والرجل جزءان يكمل أحدهما الآخر , ولا تستقيم الحياة لأي منهما بعيدا عن الآخر فقد خلقا لهذه المهمة معا , وحاجتهما إلى بعضهما حاجة طبيعية , ولذلك يقال بأن المرأة هي نصف المجتمع باعتبارها الوعاء الذي ينتج عنه إعمار هذا المجتمع ، ولقد تفهم الناجيد ذلك جيدا وعبر عن ذلك نظما في كتاباته فقال :
לְעֵזֶר נִבְרְאוּ נָשִׁים וְנוֹחַ וְאֵין אָדָם בְלא עֵזֶר וְהוּא נָח
וְלא נִמְצָא גְּבִיר יָשַׁב בְּבִטְחִה וְהִנִּיחַ בְּנֵי אָדָם וְהוּנָח( )
خلقت النساء للعون( ) والراحة فلن يستريح أي امرؤ بلا معين
فلن تجد زوجا يعيش فـي أمن وراحـــــة إلا وأراح الناس
لقد كانت رسالة الناجيد التي أعلن عنها في هذين البيتين صورة واضحة يمكن إجمالها في أمرين :
(أ) هو الإقرار والتأكيد على أن الرسالات السماوية أعلنت أن الزواج سكن ومحبة وتعاون بين الزوجين وأنه لا غنى لأي من الرجل أو المرأة عن الآخر 0
(ب) أن في استقامة هذه العلاقة بين الطرفين راحة وأمان لكليهما وأنه إذا استراح الرجل لا بد أن ينعكس ذلك إيجابا على سلوكياته وأفعاله وعلاقته مع جميع أفراد مجتمعه ، إذ سيستريح الجميع ويؤدون ما عليهم في أمن وطمأنينة وفي ذلك رقي وتقدم لأي مجتمع0
إذا فالمرأة شريكة الرجل في النهوض بمجتمعها الصغير ونعني به أسرتهما وأولادهما فلا مناص إذا للرجل من أن يبحث عن هذا العون 0
الرؤية الخاصة بالناجيد للحياة تنبع من تواجده في مجتمع كان ملتقى ثقافات عدة , وربما وصلت إليه هذه الثقافات جراء تجواله في العديد من مدن الأندلس , مما جعله يكون محقا تارة وجائرا أخرى , كما جعلته في بعض الأحيان رجلا عمليا , يعرف كيف يتعامل الأحداث بما يعود بالمصلحة عليه ،ولذلك نجده يرسم السبل لكيفية التعامل في الحياة تبعا للثقافات والهوى الشخصي خاصة مع النساء فيقول :
עֲזר אַחִים וְאַל תֵּשֶׁב-לְךָ פֶּן תְּהִי נִגָּף לְמַעַן הַגְּבָרִים
לְנֶגֶף אוֹ לְעֶזְרָה הֵם יְצוּרִים וְנָשִׁים לַעֲשׂוֹת אֵבֶל וְשִׁירִים( )
ساعد الإخوان ولا تمتنع خشية الــذم فإن الـرجــــال
خلقوا للكـــد والعـــون وخلقت النساء للنواح والغناء
تبين هذه الفقرة بعضا من صفات الرجال مثل الكد والتعب والإسراع إلى غوث الملهوف ونجدة المحتاج ، كما تبين أن دور المرأة يقتصر على العويل والنواح في حالة الحداد , والغناء في حالة الأفراح , فلم نجد في التشريع اليهودي نصا صريحا يحرم ارتفاع صوت المرأة بالنواح أو الغناء , وإلا ما حدد الناجيد هذا الدور للمرأة وهو رجل تضلع في الشريعة اليهودية وله باع طويل في هذا المجال , ويبدو أنه لم يظهر تأثرا بالشريعة الإسلامية , التي حثت على خفض الصوت بشكل عام للرجال والنساء , وهذا يعني أن الناجيد أراد تقديم صورتين متضادتين توضح كل منهما الآخر , الصورة الأولى دلالة على القوة والمكابدة , وخصص هذه الصورة للرجال , والصورة الثانية دلالة على الضعف والإستكانة , وخصصها للنساء , ومما تقدم نجده يوضح أمورا بعينها وصورا بذاتها , للتحذير من المرأة ومعرفة كيفية معاملتها 0
التحذير من المرأة :-
لاشك أن المرأة وغوايتها للرجل فكرة تناولتها الأقلام قديما وحديثا , ولن نغاير الصحيح من القول إذا اعتبرنا المرأة بالنسبة للرجل إغواء بشكل عام , وفي المقابل لا يشكل الرجل إغواء بالنسبة للمرأة , فالرجل يميل للمرأة بطبعه , فإذا مال تجاه المرأة تحققت رغباتها منه وفي ذلك يقول الناجيد في هذا البيت :
חֲמִשָׁה מְעַט יִהְיוּ וְלא יַעַמְדוּ רְכוּשׁ רַב וְצֵל עָנָן וְאַהְבַת נָשִׁים( )
خمس أمور لن تدوم ثروة طائلــة وظل سحابة وعشق للنساء( )
هنا يحذر الناجيد من التهافت على النساء والوقوع في حبائلهن , إلا أن الناجيد عندما حذر من المرأة جعلها في المقام الثالث , فهو متأثر بحب المال الذي عرف عن اليهود بشكل أو بآخر فجعل حب المال في المقام الأول , ثم جاء بالتحذير من محبة النساء , ولم يحذر من النساء بشكل عام , وهذه دلالة على أنه يحذر من محبة النساء التي قد تورث ضعفا , فهو يسعى لعدم التعلق بالمرأة 0
وفي الفقرة التالية يقدم الناجيد صورة للمرأة الحافظة لبيتها , وتلك وظيفة المرأة الحقيقية وإن صح التعبير المرأة الصالحة ولكن يجب أن تخل هذه المرأة من عيب حذر منه الناجيد فقال :
תְּחִלַת זְנוּת לֵבָב( )רֵאוּת עֵינָיִם וְרֵאשִׁית מְרִי בָּאָה עֲלֵי-אָזְנָיִם
וְאִשָּׁה פְּקִידָה עַל – שְׁמִיַרת בַּיִת( ) וְלַפֶּה שְׁמִירַת גּוּף וְלַשְׂפָתָיִם( )
النظرة بداية الوقوع في الزنـــــا وبداية العصيـان عدم السماع
وظيفة المرأة حفــظ البيـــــت سلامة الجسـد في دقة الألفاظ
لقد ظهرت ثقافة الناجيد فيما أورده في الفقرة السابقة من حكم ونصائح قيمة دون إسهاب وبلغة بليغة الأمر الذي يدل بوضوح على تفهمه لأمور الشريعة وحدودها ومن ثم بدأ بالتحذير من النظر إلى المرأة الأجنبية نظرة رغبة واشتهاء باعتبار أنها أول خطوة نحو الزنا الذي نهت عنه الشريعة في وصاياها والدليل على ذلك استخدام الشاعر للتعبيرات التوراتية مثل נשברתי את לבם הזונה .... עיניהם הזונות كسرت قلبهم الزاني 000 وعيونهم الزانية( ) واستخدام تعبير זנות לבב يدل على عمق الاشتهاء والتمني ونتيجة لعمق تفكيره أوضح الناجيد أن سبب التمرد والعصيان نتيجة لعدم الاستماع للنصائح والإرشادات وبسبب أن العنيد يصم أذنيه فلا مجال عنده للفهم والانصياع ومن ثم يقع في المحظور ، وفي الشطر الثالث تحدث الناجيد عن الوظيفة الرئيسية الملقاة على عاتق المرأة ألا وهي مراعاة شئون بيتها والمحافظة عليه إضافةإلى الإنجاب وتربية الأولاد ومعاونة الزوج ، وكما أن المرأة مسئولة عن سلامة البيت فإن الفم والشفتين مسئولان عن سلامة الجسد وهو يقصد هنا أن الكلام الحسن الطيب قد ينجي صاحبه من التهلكة وزلات اللسان قد تؤدي إلى التهلكة , وربما ربط الناجيد بسلامة الشفتين وسلامة البيت ليقدم صورة المرأة الثرثارة , كثيرة الصخب.
لقد اشتملت فقرات الناجيد على صور تعددت فيها الحِكم وها نحن نتناول بعضها والتي حوت بين طياتها صورة المرأة كما في الفقرة :
וּבַמֶּה יְהִי בָרַע אֱנוֹשׁ כָל-יְמֵי הֶבְלוֹ
עֲנִיתִיו בְּאִשָּׁה בַּעֲלַת רִיב וְנִרְגָּנָה ( )
وما السوء الذي يجعل كل أيام المرء أحزان
أجيـبه : المرأة الشكاية السليطة
في البيت السابق يطرح الناجيد سؤالا , جاءت إجابته صورة منفرة للمرأة , جاء بها الناجيد ليؤكد على صورة المرأة التي يبغضها كل رجل , بل قل كل بشري (رجل وامرأة) , فلا شك أن كثرة الشكوى والألفاظ السليطة هي من صور المرأة البغيضة المكروهه , والتي قد صورها الناجيد من قبل في صور مختلفة , ولكن هذه المرة يجعل منها سببا لكل عناء بغيض ينغص على المرء حياته , وعندما سئل عن الأمر السيئ الذي ينقص حياة المرء أجاب الناجيد إنها المرأة ذات الصفتين الأولى من اتصفت بدوام واستمرار شكواها والثانية من اتصفت بلسان سليط
ويواصل الناجيد حديثه عن دور المرأة في المجتمع وهو دور الأمومة فيقول :
סְלַח לַבֵּן וְלָאִשָּׁה מְרִיהֶם וְשׁוּבָהּ עוֹד וְצַוֵּה בֵּן וְאִשָּׁה
כְּמוֹ לוֹטֵשׁ פְּנֵי חֶרֶב אֲשֶׁר הִיא בְּרוֹב הוֹלִיְך וְרוֹב הָבֵא לְטוּשָׁה( )
اصفح عن عصيان الابن والزوجة وانصـح الابن والزوجة مرارا
مثلما تشحذ حدي السيف فهو لا يشحذ إلا بشحذه مرارا وتكرارا
انتقل الناجيد بنا إلى مرحلة أخرى من علاقة الرجل بالمرأة فلم يستمر في هجومه الذي بدأه من قبل عندما كانت المرأة بمفردها دون أولاد فيرى الناجيد أن المرأة ما إن أصبحت أما تغير وضعها مع الرجل ، تلك المرأة التي كان ينصح من قبل بسجنها وضربها دون هوادة ولكن مع وجود الأبناء أصبحت المرأة (أما) , فنصح بالعفو وتكرار النصيحة دون ملل مشبها ذلك بصقل وشحذ السيف فكلما زاد المرء من شحذ السيف كلما كان أكثر صقلا وأكثر ملائمة وتحسينا لوظيفته فلا يشوبه عطب وفي ذلك دلالة واضحة على ضرورة استمراراللين مع الأم والأبناء حتى تستقيم الحياة , فلا مفر من معاودة النصح والوعظ للمرأة حال كونها (أما) , فالصبر على المرأة حينئذ ليس من أجلها وحدها , ولكن من أجل الأبناء أيضا , وكذلك الوعظ للأبناء , فهم على شاكلة الأم كما بين الناجيد من قبل .
هل حكمة المرأة أكثر من الرجل :-

إن الأصل عند الرجل القوامة وتلك هي القاعدة الإنسانية , لكن قوامة الرجل لابد أن تبنى على الحكمة , ولكن هناك من لا يستحق هذه القوامة من الرجال لفقدانهم لصفة الحكمة , فتنوب عنه المرأة , فيكون في ذلك إستثناء للقاعدة الإنسانية , وعن ذلك يقول الناجيد :
בְּתֵבֵל אִישׁ כְּקַשׁ נִדָּף פְעָלָיו וְאִשּׁה מַעֲשֶׂיהָ כַּחֲרָבוֹת
וְיֵשׁ הוֹגֶה וְהֶגְיוֹנָיו זְכָרִים וְיֵשׁ אוֹמֵר וְאִמְרוֹתָיו נְקֵבוֹת ( )
في الكون رجل تذهب أعماله هباء وامرأة أعمالهـــــا نافذة
فهناك من تكون خواطــره قوية وهناك من يقول أقوالا ضعيفة
في الفقرة السابقة أجرى الناجيد مقارنة بين صنف من الرجال وصنف من النساء ويبدو أن هذه المقارنة قد قام بها الناجيد نتيجة تجربة وخبرة حياتية ومعرفة عن قرب ، فيقول بأن
هناك بعض الرجال تصل بهم السفاهة إلى درجة أن أعمالهم لا يعتد بها , ولا تؤخذ مأخذ الجد لتفاهتها , ولعدم قيمتها وجدواها فتذهب أدراج الرياح وهذا الصنف من الرجال هو الذي إذا عمل عملا لا يتقنه , ومن ثم فإن أعماله هشة ضعيفة تتهاوى بمجرد خروجها إلى الواقع في حين أن هناك بعض النساء ممن يتصفن بالحكمة والعقل الراجح وقوة الإرادة , إن أقدمن على عمل يكون عملا متقنا محكما , يتخطى كل العقبات , كما تتخطى السهام الحواجز وتصيب أهدافها , حيث إن المرأة العاقلة كالرامي المحنك في رميه لرماحه وسهامه , فإنه يصيب الهدف 0 واستخدام الناجيد لفظ איש قد يظن به كل الرجال لكنه يقصد في الحقيقة صنف معين من الرجال فليس من المعقول أن كل الرجال يتصفون بهذا الوصف وأيضا ليس كل النساء حكيمات( ) يصبن أهدافهن 0
وقد تناول الناجيد في البيت الثاني الشطرة الأولى الرجال المفكرين ذوي العقول الراجحة فعبر عن قوة آرائهم وأفكارهم بأنها أفكار " فتية" أي قوية وعبر عن آراء وأفكار البعض الآخر بأنها أفكار "أنثوية" أي ضعيفة وواهية , وربما هنا تتضح رؤية الناجيد , التي يعبر عن القوة والنفوذ بالرجل , والسطحية والضعف وعدم الحكمة بالمرأة , ومن ثم فالبعض منهن لا يصلحن للقيادة .
صورة المرأة والقيادة :-
قدم الناجيد صورة مغايرة لما جاء في العهد القديم , وخاصة قصة دبوره, وفي هذه الصورة نراه يخرج المرأة بعيدا عن محيط الأسرة وتأثيرها المباشر في الزوج والأبناء , ويتجه إلى الوظائف العامة المؤثرة في محيط المجتمع كله فيقول : في قضية قيادة المرأة للمجتمع ( )
לְעֵדָה לא תְהִי תִקְוָה וְאַחְרִית אֲשֶׁר תִּתֶן מְלוּכָתָהּ לְאִשָׁה
וְסוֹף כָּל-עָם אֲשֶׁר שָׂמוּ עֲלֵיהֶם שְׁנֵי מוֹשְׁלִים לְכִּלָיוֹן וּבוּשָׁה( )
لا أمل ولا غاية لطائفـــة أعطــت حكمها لإمرأة
ونهاية كل شعب نصبن عليه حاكمين الدمار والخزي
لقد اشتملت هذه الفقرة على فكرتين هامتين , إحداهما تتعلق بالمرأة ودورها في تقلد منصات الحكم وأثر ذلك على من تتولى الحكم بينهم ، وربما يكون الناجيد قد تأثر بالفكر الإسلامي , الذي أوضح عن عدم صلاح المرأة لتولي مقاليد الأمور فقد ورد قول الرسول صلي الله عليه وسلم " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"( ) , " لما بلغ رسول الله صلى عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى , قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "( )

والثانية تتعلق بأثر تعدد الحكام فمن الواضح أنه لا اختلاف بين أثر هاتين الفكرتين فالدمار والميل عن العدل هما بمثابة العامل المشترك بين هاتين الفكرتين , وربما يعود ذلك من وجهة نظر الناجيد إلى أن الجانب العاطفي لدى المرأة الذي يغلب في كثير من الأحايين على الجانب العقلاني الذي لابد أن يتصف به الحكام مما يترك أثرا سلبيا على المحكوم0
وربما كانت دعوة الناجيد والتي دعا فيها إلى عدم تعدد الحكام مرجعها إلى عدم التخبط والبلبلة في اتخاذ القرار السليم , حيث التشاور جائز ولكن القرار بيد قاض واحد , وربما يقصد بالتعدد هنا وجود العاطفة والعقل في المرأة وهما بلا شك يتنازعان .
تأثر الناجيد بموروثه اليهودي
إن صورة المرأة في العهد القديم وما تلاه من كتابات تفسيرية تتأرجح مابين المناصرة والمناهضة , كان من المؤكد إرجاعه لاختلاف الرؤى للدور النسائي في المجتمع اليهودي , فلا شك أن أهمية دور المرأة في المجتمعات البشرية بشكل عام يكمن في تقديمها لأدوار بالغة الأهمية فهي : أم – وأخت - وزوجة – ثم ابنة , ولذا فهي تمثل شق المجتمع الإنساني بجميع طوائفه وثقافاته ، ولكن الموروث اليهودي لم يكن منصفا للمرأة على الإطلاق , فكانت القصص المقرائية تغرس في نفوس اليهود ما لم تستطع أي ثقافة أخرى جاورتهم على اجتثاثه , وهذا يعني أن التأثير الإسلامي على اليهود في الأندلس كان ظاهريا فقط , ولم يترسخ في وجدان اليهود في الأندلس , وأجل دليل على ذلك صورة المرأة عند الناجيد في كتاباته , تلك الصورة التي استعان الناجيد ببعض المصطلحات الإسلامية الدالة على الاعتدال الظاهري , ولكنه ما لبث أن عاد إلى ثقافته اليهودية وموروثه الطائفي , ولذا اتسمت صورة المرأة عند الناجيد بالميل الشديد إلى التعنت والحط من شأنها , مما يعاب عليه , ولكن هذه الصورة بلا شك كانت شائعة في المجتمع اليهودي المتدين (المتمسك بالنصوص المقرائية الجائرة على حقوق المرأة ) , ولذلك اهتم بها المجتمع في أضيق الحدود , وأحط من شأنها في كثير من الأحوال , تبعا للأهواء المختلفة وللأعراف والأفكار الجائرة التي حادت عن التشريع السماوي الصحيح , حيث الأصل فيه أن يكون بمثابة تقويم للمجتمعات الإنسانية , وخاصة المجتمعات المصابة فكريا والتي خالفت التشريعات السماوية الصحيحة , والتي أتمها الله بالإسلام فكان النعمة التي وهبها الله للبشر جميعا , ولكن المكذوب من الأفكار المحسوبة على الإسلام جعلت البعض يريد التحرر من التعاليم الإسلامية , والذود عن المرأة والانتماء إلى الغرب , الأكثر تحضرا ورقيا تجاه المرأة , وما هم بذلك.............. .

شيوع الصورة الخاطئة وأكذوبة الذود عن المرأة :-
لقد مرت علي الأمة الإسلامية حقب تاريخية غفلت فيها عن هدي شريعتها، فانعكس ذلك سلباً علي المرأة بصفة خاصة ، حيث خضع في هذه الحقب التعامل معها للأعراف والتقاليد لا لنصوص الشرع وضوابطه.ونتيجة لذلك ظهرت العديد من الجهات التي انبهرت بالحضارة الغربية، فحملت لواء الدفاع عن حقوق المرأة , وكافحت تلك الجهات من أجل إنصافها ، وذلك بتنفيذ توصيات وقرارات لمؤتمرات دولية ,في حقيقة الأمر لم تساعد المرأة بفكرها الأنثوي , بل زادت من الفرقة بين شقي الأسرة .
لقد هب الفكر الأنثوي الغربي في الآونة الأخيرة يكثف من جهوده لوضع فلسفة اجتماعية خاصة بالمرأة يعالج بها مشاكلها ، حيث أخذت هذه الفلسفة في البحث والتقصي عن أسباب تدني منزلة المرأة وتشويه صورتها في التاريخ قديماً وحديثاً، وسيطرة الفكر والثقافة الذكورية علي المجتمعات البشرية ، والذي يعتقد وفقاً للفكر النسوي تعنت من المجتمع الذكوري الذي حدد أدوار المرأة وحصرها في مفاهيم الخطيئة والغواية مما جعلها في حالة تبعية مطلقة للرجل ، وترجع أسباب هذا التدني للمرأة- حسب زعم الفكر الأنثوي - إلي الصورة السيئة التي عكستها الرسالات والعقائد للمرأة .( ) , ولكن الغريب في الأمر أن هذا الفكر الأنثوي قصر هجومه على الإسلام فقط دون الرسالات الأخرى .
ومع هذا فقد تنبه بعض الباحثين لما يحاك من مؤامرة على المجتمع البشري , فالتمسوا الاعتدال في تقديم الصورة الصحيحة للمرأة , التي تساعد في إقامة مجتمع متكامل متماسك , يصعب اختراقه , أو تمزيق مبادئه , ولم يكن هذا بالجديد فالدور الرئيس للمرأة قد عرف قديما حتى في العصرين اليوناني والروماني , فهاهي إحدى الباحثات تؤكد ذلك في كتاباتها عن دور المرأة في صورتها الأصيلة بقولها :" إن بوسع المرء اكتشاف طبيعة المرأة المتمرسة على الاعتدال وما عرفت به من أدوار – هذا الاعتدال - مؤداه أن يقدم صورة المرأة رمزا للفضيلة , حيث تأتي هذه الفضيلة نتيجة خمسة أمور :
- احترام وتقديس فراش الزوجية .
- الالتزام بالحشمة فيما يخص جسدها .
- إبداء مظاهر الاحتفاء والرعاية بأهل منزلها .
- عدم الانغماس في الطقوس والاحتفالات الدينية السرية .
- أن تكون مؤمنة ورعة تقدم القرابين لرضى الآلهة ( )

الخاتمة :-

قدم سفر القضاة حكمة دبورا من خلال دورها الديني والسياسي , ولم يغفل دورها كزوجة رفعت من شأن زوجها .

إن التشريعات السماوية الصحيحة الواردة في الرسالات السماوية , جعلت حكمة المرأة مرتبطة بما تقدمه للرجل , زوجا وولدا .

قدم الناجيد صورة للمرأة كزوجة وأم , وعندما تعرض لحكمتها لم يقدمها في صورة أنثوية بل صورها رجلا .

مال الناجيد عن التشريع الإسلامي واكتفى بذكر العرف السائد عند اليهود في تعاملهم مع المرأة , وإن كان ذلك لا ينفي كون الناجيد نشأ وتربى وتشرب الفكر العربي الإسلامي , وتأثر كثيرا به في أعماله المتعددة , وإن لم تظهر هنا بصورة معلنة إلا أن العديد من إنتاجه الفكري يشهد بذلك .

إن التشريعات البشرية والموروثات الخاطئة إلى جانب التأويلات والفتاوى الجائرة للتشريعات السماوية جعلت من المرأة عدوا للرجل وليس شريكا له .

إن المرأة ليست الحكيمة دوما , وكذلك ليست الحمقاء بشكل عام , وإنما هي شريك يؤدي دورا هاما في حكمة الرجل من خلال تنشئته صغيرا , ومشاركته كبيرا , فإذا هي أهملت هذا الدور انقلب الرجل عليها فتصير أهون الرفاق في نظره , ومن ثم تنعت بالنقص .

إن المرأة لا تساوي الرجل على الإطلاق فلكل منهما خصال وصفات يختص بها دون الآخر تجعل كل منهما مكملا للآخر, ولا غريب في ذلك فكل كائن مهما زاد قدره أو قل شأنه , غير مساو لصاحبه , وليس هذا إقلالا للبعض ورفعة للبعض .

إن المنظمات الحقوقية المعنية بأمر النساء قد أضرت بهن , حين حاربت التعاليم الإسلامية , وجعلت من المرأة ندا للرجل وليس شريكا له .

لم تذكر المنظمات الحقوقية الغربية والعربية مدى الإساءة التي لحقت بالمرأة على صفحات العهد القديم , وأول إساءة وأعظمها تحميل حواء الخطيئة الأولى للكيان البشري .

المصادر :-
القرآن الكريم

المراجع باللغة العربية :-

أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي : اللطائف والطب الروحاني ، تحقيق : عبد القادر أحمد عطا ، دار الطباعة المحمدية ، القاهرة ، 1969

ابي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري –الجامع لأحكام القرآن الكريم ج1 -ص257 –دار الريان للتراث –طبعة خاصة بتصريح من دار الشعب

ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب ، تحقيق:د/شوقي ضيف ، ج2 ، ص114 ، دار المعارف ، القاهرة ، بدون تاريخ

إبراهيم مصطفى وآخرون ،المعجم الوسيط، جـ1 ، ص 189 ، مطبعة مصر ، القاهرة ، 1960 0

ابن خلدون : تاريخ العلامة بن خلدون ،دولة اليونان ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1981

ابن منظور : لسان العرب ، جـ2 ، دار المعارف المصرية ، القاهرة ،بدون تاريخ0

أبو الحسن بن دريد : جمهرة اللغة ، جـ2 ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية،حيدرآباد1345ه

ابن قتيبة : عيون الأخبار ، المطابع الأميرية ، القاهرة ، د0ت

أحمد بن فارس : معجم مقاييس اللغة ، تحقيق عبد السلام هارون وآخرون ،ط 2 ، ص91 ، مطبعة 0 مصطفى الحلبي ، القاهرة ، 1970

إسماعيل راجي الفاروقي –لوسي لمياء الفاروقي – أطلس الحضارة الإسلامية – ترجمة عبد الواحد لؤلؤة – المعهد العالمي للفكر الإسلامي – مكتبة العبيكان – الرياض -1998 – الطبعة الأولى

الفيروزابادي – القاموس المحيط – ج4 –ص321 –دار الفكر –بيروت -1403ه -1983م)

الإمام محي الدين أبي الفيض الزبيدي : شرح القاموس المسمى تاج العروس من جواهر القاموس ، جـ2 ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، بدون تاريخ 0

الإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي : رياض الصالحين ، ص140 ، القاهرة ، 1965

السيد أحمد الهاشمي ، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب ، ج2 ، ص401 ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، 1998 0

جان آمل ريك – مركز المرأة في قانون حمورابي وفي القانون الموسوي – تعريب الأستاذ سليم العقاد – المطبعة المصرية الياس أنطون الياس – مصر -1926

خالد قطب ، الفكر النسوي وثنية جديدة ، في: الحركة النسوية وخلخلة المجتمعات الإسلامية" المجتمع المصري أنموذجاً" ، تحرير: الهيثم زعفان، الرياض ، مجلة البيان ، 2006

سيد بن حسين العفاني – شذا الرياحين من سيرة واستشهاد الشيخ أحمد ياسين – مكتبة الوفاق – غزة – 2004

شوقي ضيف - تاريخ الأدب العربي ، (العصر الجاهلي) ، ط15 ، ص 74 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1992

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي – الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير – دار الكتب العلمية – بيروت – بدون تاريخ

عبد الوهاب عبد السلام طويلة –توراة اليهود والإمام ابن حزم الأندلسي – دار القلم – دمشق – بدون تاريخ

علي عبد العظيم - ديوان ابن زيدون: ، ص 191 ، دار نهضة مصر ، القاهرة ، 1955

عمر سليمان الأشقر – الرسل والرسالات –دار النفائس – الكويت ط4 – 1989

محمد علي – الأقوال الجلية في بطلان كتب اليهودية والنصرانية – مطبعة المنار بمصر – الطبعة الأولى – بدون تاريخ

محمد عبد الرحمن السخاوي – المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة - تحقيق محمد عثمان الخشت – دار الكتاب العربي – 1414ه

محمد بن اسماعيل البخاري – الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه – تحقيق : محب الدين الخطيب – المكتبة السلفية – 1400ه – طبعة أولى

مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري – صحيح مسلم – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي – دار احياء الكتب العربية – مطبعة الحلبي – القاهرة – 1374 ه طبعة أولى

ماري إيلين ويث – تاريخ النساء الفلاسفة في العصرين اليوناني والروماني –ترجمة د/ محمود السيد مراد – مراجعة ا.د. محمد فتحي عبد الله – دار الوفاء – الإسكندرية-طبعة أولى

يسري محمد سلامة : الحكمة في شعر المتنبي ، دار المعارف ، القاهرة ، 1982 0

المصادر باللغة العبرية

- תנ''ך

المراجع باللغة العبرية

אוצר ישראל : אנציקלופדיה , חלק שביעי , מהדורה שלישית , לונדון , 1935

אברהם אבן עזרא : פירוש משלי , הוציאו לאור שמואל רולם דריבר, נדפס מחודש על יד הוצאת מקור ירושלים , תשל"ב .

אברהם אבן שושן : המלון העברי המרכז ,הוצאת קרית ספר , בע"מ , ירושלים ,מהדורה מרוחבת , תשמ"ח .

אברהם שרוני: המלון המקיף , כרך 2 , הוצאת משרד הביטחון , מפעלי דפוס פלאי בע"מ גבעתיים 1987,

און זית –העם הישראלי–הוצאת ראם – ישראל -1991

און זית -העם השראלי התרבות האבודה – הוצאה ראם – ישראל – 2011

אלישע קימרון – פרקים בתולדות הלשון העברית – האוניברסיטה הפתוחה – הדפסה דיגיטלית יונאר 2004

בן סירא : כתובים אחרונים על פי תרגום מיוונית של יצחק זעקיל פרענקיל , פרק ט'ווארשה, 1885

דוד שגיב : מלון עברי – ערבי לשפה העברית בת-זמננו , כרך ראשון , הוצאת שוקן ירושלים , 1990

זאב ויסמן –מבוא למקרא –ספרות התורה יחיט – כרך ג'' – האוניברסיטה הפתוחה – ישראל

חגי ארלין ואחרים – אתיופיה נצרות אסלאם יהדות – האוניברסיטה הפתוחה – תל אביב 2003

חיים שירמן : השירה העברית בספרד ובפרובאנס . הוצאת מוסד ביאליק , מהדורה שניה , ירושלים , דביר , תל-אביב , תשט"ו, הדפסה השלישית

יוסף גיגר ואחרים – קובץ מאמרים ליובילו של ישראל שצמן –האוניברסיטה הפתוחה –תל אביב

יוסף שכטר – אוצר התלמוד מהדורה שלישית מורחבת – דביר הוצאת לאור –בע''מ – נדפס בישראל

ישראל צינברג : תולדות ספרות ישראל ,כרך א' , הוצאת יוסף שרברק בע"מ , תל-אביב .

יוסף שה-לבן:שמואל הנגיד,הערות והנחיות ללימוד ולקריאה,הוצאת אור–עם , תשמ"ב

יוסף דו – הלב והמעיין – מבחר חוויות מיסטיות חזיוניות וחלומות מן העת העתיקה עד ימינו – אוניברסיטת בן גוריון בנגב –מפעלי דפוס כתר – ירושלים 2005

ישראל לוין: שמואל הנגיד חייו ושירתו , הדפסה השניה ,עמ'38, הוצאת הקיבוץ המאוחד , ירושלים,1973

מ. צ. סגל –מבוא המקרא – ספר ראשון–הוצאת קרית ספר בע''מ ירושלים .הדפסה תשיעית

מיכאל ליטמן – פותחים את הזוהר – נדפס בישראל – 2010

משה שטיינשניידר : מוסר השכל המיוחס לרבי האי גאון , ברלין ,1860 .
משה גרסיאל- ראשית המלוכה בישראל - האוניברסיטה הפתוחה - תל אביב – 2008-מהדורה שנייה

נתנאל חיים פאפע – ספר מגלת אסתיר עם באור . דבר ישועה- נדפס בירושלים –בשנת תרנ''ב

נדב שרגאי – הר המריבה המאבק על הר הבית – הוצאה לאור כתר בע''מ – ירושלים – 1995

ספר שופטים עם רש'' ועם פירוש דעת סופרים –מאת הרב חיים דב רבינוביץ –בהוצאת ספרייתי תל אביב – ירושלים תש''ט

ציפי גון גרוס – הורים מתגייסים –כתר הוצאה לאור -2003

צבי הירש עד עלמאן – יהודה הכונה ליב דוקעס – גנזי אקספרד [ ספר כולל פיוטים ושירים יקרים ממשוררי ספרד הקדמונים – לונדון – שנת תר''י לפ''ק

קתרין קלמון –המסע של תיאו אודסאה בין דתות ואמנות – לוחות והדפסה במפעלי זמורה –ביתן –תל אביב 2000

שוין הנשים מנוקדת ההלכה – מאת הרב יעקב לוינסון – דפןס אמנות –ניו יורק- שנת תר''ף

ש.אברמסון : בן משלי לרבי שמואל הנגיד , הוצאת מחברות לספרות , תל – אביב , תש"ח , בסיוע מוסד הרב קוק .
שמואל לאנייאדו - כלי יקר . פירוש נביאים ראשונים –יוצא לאור ע''י עזרא בצרי שליט''א – אב''ד ירושלים ת''ו

שלומית אליצור –שירת החול העברית בספרד המוסלמית –כרך שני ––האוניברסיטה הפתוחה –תל אביב 2004